مقـام المخلـوق أما هو صلى الله عليه وسلم فإننا
نعتقد أنه صلى الله عليه وسلم بشر يجوز عليه ما يجوز على غيره من البشر من حصول
الأعراض والأمراض التي لا توجب النقص والتنفير كما قال صاحب العقيدة
: وجائز في حقهم من عرض :: بغير نقص كخفيف المرض وأنه صلى الله
عليه وسلم عبد لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً قُل لاَّ}ولا حياة ولا نشوراً
إلا ما شاء الله ،
قال تعالى : أَمْلِكُ لِنَفْسِي
نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ
لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ
نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ الأعراف :
188.{يُؤْمِنُونَ وأنـه صلى الله عليـه وسلم قد أدى
الرسالـة وبلغ الأمانة ونصح الأمــة وكشف الغمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه
اليقين ، فانتقل إلى جوار ربه { إِنَّكَ مَيِّتٌ
وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ }راضياً مرضياً كما قال
تعالى : .
وَمَا جَعَلْنَا
لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ}وقال
: .{فَهُمُ الْخَالِدُونَ والعبودية هي أشرف صفاته صلى الله
عليه وسلم ، ولذلك فإنه يفتخر بها ويقول : سُبْحَانَ الَّذِي}[ إنما أنا عبد ]
ووصفه الله بها في أعلى مقام أَسْرَى وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} ، وقال : {بِعَبْدِهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ
عَلَيْهِ لِبَداً . والبشرية هي عين{ إعجازه فهو بشر من
جنس البشر لكنه متميز عنهم بما لا يلحقه به أحد منهم أو يساويه كما قال صلى الله
عليه وسلم عن نفسه في الحديث الصحيح :
((إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني)).. وبهذا ظهر أن
وصفه صلى الله عليه وسلم بالبشرية يجب أن يقترن بما يميزه عن عامة البشر من ذكر
خصائصه الفريدة ومناقبه الحميدة ، وهذا ليس خاصاً به صلى الله عليه وسلم ، بل هو
عام في حق جميع رسل الله سبحانه وتعالى لتكون نظرتنا إليهم لائقة بمقامهم ، وذلك
لأن ملاحظة البشرية العادية المجردة فيهم دون غيرها هي نظرة جاهلية شركية ، وفي
القرآن شواهد كثيرة على ذلك ، فَقَالَ}فمن ذلك قول قوم نوح في
حقه فيما حكاه الله عنهم إذ قال : الْمَلأُ الَّذِينَ
كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً سورة هود : 27 .{مِّثْلَنَا
ومن ذلك قول قوم موسى وهارون في حقهما فيما حكاه
الله عنهم إذ قال : } فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ
المؤمنون : 47 .{ مَا أَنتَ}ومن ذلك قول ثمود
لنبيهم صالح فيما حكاه الله عنهم بقوله : إِلَّا بَشَرٌ
مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ { سورة الشعراء : 154 . ومن ذلك قول أصحاب
الأيكة لنبيهم شعيب فيما حكاه الله عنهم بقوله : } قَالُوا إِنَّمَا
أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن
نَّظُنُّكَ لَمِنَ سورة الشعراء : 186 .{الْكَاذِبِينَ ومن ذلك قول المشركين في حق سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم قد رأوه وَقَالُوا مَالِ هَذَا}بعين البشرية المجردة
فيما حكاه الله عنهم بقوله : ، ولقد تحدث{الرَّسُولِ يَأْكُلُ
الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
نفسه حديث الصدق بما أكرمه الله تعالى به من عظيم الصفات وخوارق العادات التي تميز
بها عن سائر أنواع البشر ([1]). فمن ذلك ما جاء في الحديث الصحيح أنه قال : (( تنام عيناي ولا ينام قلبي )) . وجاء في
الصحيح أنه قال : (( إني أراكم من وراء ظهري كما أراكم من أمامي )) .. وجاء في
الصحيح أنه قال : (( أوتيت مفاتيح خزائن الأرض )) . وهو صلى الله عليه وسلم وإن كان قد
مات إلا أنه حي حياة برزخية كاملة يسمع الكلام ويرد السلام وتبلغه صلاة من يصلي
عليه وتعرض عليه أعمال الأمة فيفرح بعمل المحسنين ويستغفر للمسيئين وأن الله حرم
على الأرض أن تأكل جسده فهو محفوظ من الآفات والعوارض الأرضية . وعن أوس بن أوس
رضي الله عنه قال : ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أفضل أيامكم يوم الجمعة : فيه خلق آدم
وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة ، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم
معروضة عليَّ)) . قالوا : يا رسول الله ! وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت يعني
بليت ؟ فقال : ((إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)) .. رواه أحمد
وأبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه. وفي ذلك رسالة خاصة للحافظ جلال الدين
السيوطي أسماها ((إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء)) . عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ، فإذا أنا مت كانت
وفاتي خيراً لكم تعرض عليَّ أعمالكم فإن رأيت خيراً حمدت الله وإن رأيت شراً
استغفرت لكم)) . قال الهيثمي : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح . وعن أبي هريرة
رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله
عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام))
. رواه أحمد وأبو داود . قال بعض العلماء : رد عليَّ
روحي أي نطقي ، وعن عمار بن يسار رضي الله عنه قال : : إن الله وكّل بقبري ملكاً أعطاه الله أسماءr((قال رسول الله الخلائق ، فلا يصلي عليَّ أحد إلى
يوم القيامة إلا أبلغني باسمه واسم أبيه ، هذا فلان بن فلان قد صلى عليك)) . :rرواه البزار وأبو الشيخ
ابن حبان ولفظه : قال رسول الله ((إن لله تبارك وتعالى ملكاً أعطاه أسماء الخلائق فهو قائم على
قبري إذا مت ، فليس أحد يصلي عليَّ إلا قال : يا محمد ! صلى عليك فلان بن فلان ،
قال : فيصلي الرب تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكل واحدة عشراً)) .. رواه
الطبراني في الكبير بنحوه ([2])
. وهو صلى الله عليه وسلم وإن كان قد مات إلا أن فضله
ومقامه وجاهه عند ربه باق لا شك في ذلك ولا ريب عند أهل الإيمان ، ولذلك فإن
التوسل به إلى الله سبحانه وتعالى إنما يرجع في الحقيقة إلى اعتقاد وجود تلك
المعاني واعتقاد محبته وكرامته عند ربه وإلى الإيمان به وبرسالته ، وليس هو عبادة
له ، بل إنه مهما عظمت درجته وعلت رتبته فهو مخلوق لا يضر ولا ينفع من دون الله
إلا بإذنه . قُلْ إِنَّمَا أَنَا
بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}قال تعالى
: {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ